كيف أفرق بين الابتلاء والعقوبة؟
سؤال
أريد معرفة معنى الابتلاء والعقاب وما هي علامات انفراج المصيبة ؟
يقول الأستاذ محمد سيد عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
الحمد لله غافر الذنب، و قابل التوب، شديد العقاب، الفاتح للمستغفرين
الأبواب،
والميسر للتائبين الأسباب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
قال تعالى" أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنوا وهم
لا يفتنون"،
وكما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال،
قلت : يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال : (الأنبياء
ثم الأمثل فالأمثل.
يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه،
وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه،
فما يبرح البلاء بالعبد يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)
وفي حديث آخر أخرجه الطبراني في معجمه الكبير عن أخت حذيفة بن اليمان فاطمة
أو خولة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل).
وابتلاء الله لعبده بالاختبار والامتحان؛ والبلاء : الاختبار يكون في الخير
والشر، قال تعالى: "ونبلوكم بالشر والخير فتنة"،
وصور ابتلاء الخير بالعافية والصحة والمال ونحو ذلك، قال تعالى: "ليبلوني
أأشكر أم أكفر" كما جاء ذلك على لسان سيدنا سليمان.
والأمر الذي يُحدث اللبس، هل ما يقع في حياتنا من شر هو ابتلاء أم عقوبة،
وقبل أن نطوف حول هذا المعنى أسوق بعض صور الابتلاءات
التي تحمل في ظاهرها للعبد الشر، كما ذكره الله تعالى في قوله :
( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال
والأنفس والثمرات
وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون.
أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).
وقبل أن أحاول فك الاشتباك بين الابتلاء والعقوبة،
نقف عند بعض ما ورد في الكتاب والسنة من نصوص عن العقوبة،
قال صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليحرم الرزق بذنبه يصيبه"،
أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وقوله أيضا: "والله ما اختلاج عرق
ولا عثرة قدم ولا نسيان علم إلا بذنب". إلى آخر النصوص الكثيرة في هذا
الباب.
إذن كيف يتسنى للإنسان أن يحاول أن يعرف ما يقع من
مصائب في حياته،
هل هي عقوبة أم ابتلاء؟. وإذا نظرنا إلى قول
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه:
"لو نودي يوم القيامة أنه لن يدخل النار إلا واحد لظننت أنه عمر،
ولو نودي أنه لن يدخل الجنة إلا واحد لظننت عمر"، فما
علاقة ذلك بالابتلاء والعقوبة؟،
تبين لنا تلك المقولة أن لدى عمر رضي الله عنه "رجاء عظيم في رحمته"
يجعله لا ينفك أن يكون من أهل الجنة، وأن لديه أيضا خوف من الله،
يجعله لا ينفك أن يعتبر نفسه واحد من أهل النار.
فمن هذا المنطلق، نقول إذا كان العبد على معصية وأدركته بعد ذلك مصيبة في
نفسه وأهله،
فإن ما حدث هو من آثار المعصية، كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى تلك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور ... ونور الله لا يعطى لعاص
أما إذا كان الإنسان على طاعة وقرب من الله عز وجل، ثم وقعت له مصيبة،
في نفسه أو أهله، فإن هذا يكون من باب الابتلاء والاختبار.
وقد يكون الابتلاء والعقوبة من باب التذكرة والإنذار للعبد بمراجعة نفسه،
وعلاقته بالله عز وجل، قال تعالى:
(فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا
إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ
عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى
حِينٍ، وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا
أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) .
ويمكننا أن نطبق ذلك على جميع حياتنا، ويدرك المرء أن ما يقع في حياته
من آلام ومصائب قد يكون هو جزء لا يتجزأ منه
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يفقهنا في ديننا،
وأن يعيننا على طاعته، وأن يصرف عنا معصيته، وأن يرزقنا رضاه و الجنة، وأن
يعيذنا من سخطه والنار،.. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
...