الواسع: صفة لكل صفات الله تعالى، فهو الواسع في كل شيء، في رحمته وقدرته وعدد ما شئت من صفاته اللانهائية في عددها وفي حدودها، أي كل واحدة على حِدَةٍ لا حدود لها.
فالإنسان محدود في عِلمِه، ومحدود في قدرتِه وماله وجاهِه وكل إنسان هناك من هو فوقَه، إلاّ أن الله سبحانه وتعالى هو الواسع فَرَحْمَتُه وسِعت كل شيء وغِناه وسِع كل فقير وإحسانه شمَل كل مخلوق فلا تضيق دائرة علمه عن كل شيء ولا تضيق دائرة إحسانِه عن أيِّ شيء ولا تضيق دائرة قوَّتِه عما دونه فقُوَّته تتعلق بِكل ممكن وإحسانه يتعلق بِكل ممكن وعِلمه يتعلق بِكل ممكن، فَكَلِمة "واسِع" أي وسِعت رحمتي كل شيء، ووسِع عِلمي كل شيء ووسِعت قدرتي كل شيء ووسِع غِناي كل شيء، لِذلك قيل الواسع هو الذي لا نِهايَة لِسُلْطانِه فَنَحن لا نستطيع تصوُّر اللانِهائي فالطريق له نِهاية وهذه المجرّة لها نهاية وهذا الغني مهما عظُم ماله ينتهي عند رقمٍ وهذا الإنسان مهما بلَغ من جاهِه هناك شيء لا يستطيعُه مثلاً؛ أمهر طبيب بِالعالم إذا مات المريض هل يُمكِنه أن يعيد له الحياة؟ هذا شيء فوق طاقَتِه:
إنّ الطبيب له عِلم يُدلّ به إن كان للناس في الآجال تأخير
حتى إذا ما انتهت أيام رِحلتِه حار الطبيب وخانتْه العقاقير
أحياناً يتحدّث إليك شخص فَتَقول لشخص آخر يريد أن يكلمك في أمر ما : انتظر إلى أن ينتهي من حديثي هذا كي أتمكّن من الفهم عليك فلا يتَّسِع إدراكه لِسَماعِ صوتين ولا إلى أن ينصرِف إلى جِهتين فهو غير واسِع أما ربنا عزّ وجل معنى أنه واسع أيْ لا يشغله معلوم عن معلوم ولا شأنٌ عن شأن، لو أنّ كل العِباد دَعَوْهُ في وقتٍ واحدٍ لَسَمِعهم جميعاً، بينما الإنسان لا يستطيع أن ينصَرف إلى جهتين معاً، حتى في علم النفس يقولون: إن الذي يبدو لك أنه يستمع إلى شخصين معاً إيّاك أن تصدِّق ذلك وإنما عنده ما يسمى سرعة التحوّل أما أن يستطيع أن يستوعِب حديثين معاً أوثلاثة فهذا غير ممكن.
وقيل الواسع هو العالم المحيط علمه بِكل شيء وسِع علمه كل شيء، أحياناً تركب بِمَركبة فترى كلّ شيءٍ أمامك مكشوفًا أما خلفك ما دون زاوية النظر لا تستطيع أن تحيط به، لِحِكمة أرادها الله عز وجل، عينا الطائر تُغَطِّيا ثلاثمئة وستين درجة ولكن قد لا تغطي تحته فهذه ثلاثمئة وستون درجة مستوِية فالإنسان سمعه محدود، وبصره محدود، وقدرته محدودة وإحسانه محدود.
وقيل هو الذي وسِع بِعِلمه جميع المعلومات ووَسِعت قدرته كل المقدورات واسِع الرحمة والغِنى والسلطان والعِلم والقدرة والإحسان.
وقيل هو الذي لا حدود لِمدلول أسمائه وصِفاته - هذا معنى جديد - فاسم الرحيم ليس له حدود، واسم الكريم ليس له حدود، واسم الغني والقوي كذلك وما معنى الله أكبر؟ مهما عرفت عن أسمائه الحسنى فهو أكبر من ذلك النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى زيد الخير قال له: يا زيد: والله ما وُصِف لي رجل إلا رأيته دون ما وُصِف.
قيل هو الواسع في علمه فلا يجهل، وواسِع في قدرته فلا يعجل، وقيل: الواسع الذي لا يغرب عنه أثر الخواطر في الضمائر، أنت قد تتأمل إنساناً وتتأمل قِوامه، ولون جِلدهِ، ولَون عَينَيه ولون شعره، وثِيابه وألوان ثِيابه وأناقَتَه، وإنسِجام الألوان في ثِيابِه، وحركته ونظرته ولَفْتَته ونبْرة كلامه، لكن هل تستطيع أن تكشِف بِماذا يفكِّر؟ أو ما الذي يخطر بِبالِه؟ لايمكن إذاً دائرة معلوماتك محدودة وقفت هنا، أما الواسع هو الذي لا يغرب عنه أثر الخواطر في الضمائر فَكُل الخواطر التي تخطرعلى بالك هي في علم الله عز وجل. لأنه سبحانه وتعالى واسع الإدراك والمعارف، لا يمنعه شيء عن إدراك شيء.
سمعت بعض العارفين يقول: والله يا رب لو تشابهت ورقتا زيتون لما سُميت الواسع، فالأرض تحمل ستة آلاف مليون إنسان، ولْنُجْرِ إحصاءً على مستوى بلد واحد، فهل هناك وَجْهٌ يشبِه وجهاً؟ حتى لقد قيل لي: لو جِئنا بِآلة تصوير ملوَّنة ذات حساسية للألوان التي في البشر فلا تستطيع هذه الآلة أن تظهر الفروق التي بين الأشخاص، إذْ إن كل شخصٍ له لَوْن أما هذه الآلة قد تظهر مئة شخصٍ بِلَونين أو ثلاثة فقط، في حين أن كل شخصٍ له لون ونبْرَة صوت ورائحة جسم وكيمياء دم وهي البلازما وله شكل بِالقُزحِيّة وله بصمة وزُمرة نسيجية، فأنت لا تُشبِه في العالم كلِّه إلا واحداً فالعلماء اكتشفوا الآن مليونين ونِصف مليون زمرة نسيجية، إذًا الله واسع؟
فالله هو الواسع؛ إذا نظرنا إلى عِلمه فلا ساحِل لِبَحر علومه، وإذا نظرنا إلى إحسانه ونِعَمِه فلا نِهاية لإحسانه، فليتق المرء بعطاء ربه و ليطلب منه فهو سبحانه واسع عليم، فالإنسان عطاؤه محدود لكن الله واسِع ولا حدود لِفَضْله فَبَدَلَ أن تحسد الناس اِسْعَ في طلب ما عند الله كما طلبوا من الله لذلك قال تعالى:
وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَىٰ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ ۗ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (آل عمران:73)
وهذا معنى دقيق الدلالة، ففي الحياة الاجتماعية والوظيفية هناك مناصِب؛ فهناك مدير دائرة، وهناك موظف بالدرجة العاشِرة وهذا المنصب يقال لك: شُغِل ولا سبيل للارتِقاء إليه حتى يُزاح الذي فوقك فليس من شواغر فالعطاء ليس واسٍعاً، لكن الله تعالى يَسَع فضله الخلق كله، فلا يحسد إلا الجاهِل:
قُل لِمن بات لي حاسِداً أتدري على من أسَأت الأدبا
أسأت على الله في فِعله إذْ لم ترض لِي ما وهبـا
أسأت على الله في فِعله إذْ لم ترض لِي ما وهبـا
عن هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ اللَّهمّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلأَعْرَابِيِّ لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ * (رواه البخاري)
اللهم ارحمني ومُحمَّدا ولا ترحم معنا أحداً، فقال عليه الصلاة والسلام: لقد حجَّرْتَ واسِعاً، لو أن الخلق جميعاً كانوا على أتقى قلب رجلٍ في البشر لَوَسِعهم فضل الله عز وجل، كلمة واسع كلمة رائعة جداً؛ والله واسع عليم قال تعالى: " قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "، أي: يعطيه من يشاء من عِباده.
لا تحسُد ولا تتمنّ ما عند أخيك بل اُطلب من الله ولا تتمنّ ما فضَّل الله بعض الناس على بعضهم، وأصغِ سمعك لقول الشاعر ففيه معنى رائع في الموضوع الذي نحن فيه:
لا تسألَنّ عن السبب ملِك الملوك إذا وَهَب
وأنا عدّلْته وقلت:
ملك الملوك إذا وهب قُم فاسْألنّ عن السبب
الله يعطي من يشـاءفَقِف على حـدِّ الأدب
لاتحسدْ، وإنما تنافس مع أخيك دون أن تحْسُده قال تعالى:
خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (المطففين:26)
لأن فضل الله واسِع يؤتيه من يشاء، وقال تعالى:
وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (النور:32)
لو كان إنسان يساعِد الفقراء لَضَجِر تبرّم أحياناً، وقال كفاكم، لقد سَئِمت لأنه ليس واسٍع، ولكنهم لو سألوا الله عز وجل لوجدوا عطاءه واسعاً دافقا. فكم أنفق الله الواسع منذ خلق الأرض،ً وقد قال رسول الله فيما يرويه عن ربه تعالى:
يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَه*(رواه مسلم)
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (غافر:7)
ويحلو لي أن أختم البحث بما يلي: من أدب التَّخلّق باسم الواسع: أن يتَّسِع خلُقُك ورحمتُك لجميع عباد الله؛ فقد يكون عطْفك كله لأولادك، وأحياناً لأقرِبائك وتضيق دائرة رحمته عن الغرباء، وتحب أسرتك وعشيرتك وقبيلتك أما المؤمن فكلما إزداد إيمانه تتَّسِع دائرة رحمته لِكل الخلائق. وللك كانت شريعتنا أوسع الشرائع في خلافاتها الفقهية، واسعة تسع الناس كلهم ولا تضيق على أحد. بل كلما ضاق أمرٌ على أحد أتسع كما قال العلماء بل جعل الله لنا سعة من كل ضيق بقوله الا ما أضطررتم اليه لألى يضيق علينا لأنه سبحانه الواسع، فهو واسع حتى في أحكام شريعته لنا.
عندما جاء جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلَّم بعد أن اسْتَخَفوا به في الطائف وبعد أن سَخِروا منه وكذَّبوا دعْوَته وأَغْرَوا سُفهاءهم بِإيذائه جاءه جبريل وقال:
أَنَّ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِيَالِيلَ بْنِ عَبْدِكُلالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا *(رواه البخاري)
فالنبي عليه الصلاة و السلام قال: لا يا أخي. اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون، طبْعاً لا بد من باب الموازنة فما منا من أحد لو أساء إليه آخر إساءة نافذة إلا ويتمنى أن يُقَطِّعه إرْباً إرْباً لكن النبي صلى الله عليه وسلّم وسِعت رحمته خصومه وأعداءه والذين كذَّبوه وسخِروا منه واسْتَخَفوا به والذين أَغْرَوا سفهاءهم بِإيذائه هؤلاء وسِعتهم رحمة النبي عليه الصلاة والسلام، فمن أدب التخلق بِهذا الاسم أن تتَّسِع رحمتك لِكل عِباد الله من كل الأجناس، والمؤمن أوسع مدى من ذلك فحتى الحيوانات يرحمها؛ إنكم لن تسَعوا الناس بِأموالكم فسعَوْهم بِأخلاقكم لذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام لما سمِع الأعرابي يقول: اللهم ارحمني ومحمّدا قال له لقد حجَّرْت واسِعاً.
الإمام الغزالي يقول: " تأدُّباً مع اسم الواسع ينبغي أن تتَّسِع دائرة عِلمك لأن الله عالم ويحب كل عالم وأن تتَّسِع دائرة إحسانِك ودائرة عَفْوِك لتشمل كل الناس "، فهناك قلب صغير وهناك قلب كبير يتَّسِع لكل الناس ولكل التجاوُزات والعَنْعَنات والحماقات، بينما هناك من ينفجِر قلبه ويضيق ويكيل الصاع صاعين، والعوام يقولون: "الوعاء الأكبر يتَّسِع للأصغر" فأنت كلما كبرت عند الله اِتَّسعت نفسك لكل الخلائق، والكبير يسَعُ الصغير، والحليم يسع الأحمق، والعالم يسع الجاهل، والغني يسع الفقير، فهذا هو التطبيق العملي لهذا الاسم وهو أن تتَّسِع في علمك ورحمتك وإحسانك وعَفْوِك.
الإنسان الواسع يتّسع للحسود مثلاً ولغيره، ولكل من أساء إليه. والله قال لنا "ولكن كونوا ربانيين" أو متعلقين بأخلاق ربكم وصفاته وكل من وسع الناس بأخلاقه فهو رباني. وكل من وسّع دائرة عذره للآخرين فهو رباني، وكل من أختلف مع غيره فوجد ما يجمعه معه فهو رباني واسع نوالله ضرب لنا مثلا بنفسه اذ رزق أقواما خالفوا أمره بل أنكروا وجوده، وهذ من سعة أخلاق الله. بل سمح لابليس بالبقاء والحوار معه فسبحان من وسعت صفاته خلقه. فاللهم أجعلنا ربانيين وارثين لأخلاقك التي كسوت بها النبيين حتى نكون وارثين.
الله يعطي من يشـاءفَقِف على حـدِّ الأدب
لاتحسدْ، وإنما تنافس مع أخيك دون أن تحْسُده قال تعالى:
خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (المطففين:26)
لأن فضل الله واسِع يؤتيه من يشاء، وقال تعالى:
وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (النور:32)
لو كان إنسان يساعِد الفقراء لَضَجِر تبرّم أحياناً، وقال كفاكم، لقد سَئِمت لأنه ليس واسٍع، ولكنهم لو سألوا الله عز وجل لوجدوا عطاءه واسعاً دافقا. فكم أنفق الله الواسع منذ خلق الأرض،ً وقد قال رسول الله فيما يرويه عن ربه تعالى:
يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَه*(رواه مسلم)
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (غافر:7)
ويحلو لي أن أختم البحث بما يلي: من أدب التَّخلّق باسم الواسع: أن يتَّسِع خلُقُك ورحمتُك لجميع عباد الله؛ فقد يكون عطْفك كله لأولادك، وأحياناً لأقرِبائك وتضيق دائرة رحمته عن الغرباء، وتحب أسرتك وعشيرتك وقبيلتك أما المؤمن فكلما إزداد إيمانه تتَّسِع دائرة رحمته لِكل الخلائق. وللك كانت شريعتنا أوسع الشرائع في خلافاتها الفقهية، واسعة تسع الناس كلهم ولا تضيق على أحد. بل كلما ضاق أمرٌ على أحد أتسع كما قال العلماء بل جعل الله لنا سعة من كل ضيق بقوله الا ما أضطررتم اليه لألى يضيق علينا لأنه سبحانه الواسع، فهو واسع حتى في أحكام شريعته لنا.
عندما جاء جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلَّم بعد أن اسْتَخَفوا به في الطائف وبعد أن سَخِروا منه وكذَّبوا دعْوَته وأَغْرَوا سُفهاءهم بِإيذائه جاءه جبريل وقال:
أَنَّ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِيَالِيلَ بْنِ عَبْدِكُلالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا *(رواه البخاري)
فالنبي عليه الصلاة و السلام قال: لا يا أخي. اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون، طبْعاً لا بد من باب الموازنة فما منا من أحد لو أساء إليه آخر إساءة نافذة إلا ويتمنى أن يُقَطِّعه إرْباً إرْباً لكن النبي صلى الله عليه وسلّم وسِعت رحمته خصومه وأعداءه والذين كذَّبوه وسخِروا منه واسْتَخَفوا به والذين أَغْرَوا سفهاءهم بِإيذائه هؤلاء وسِعتهم رحمة النبي عليه الصلاة والسلام، فمن أدب التخلق بِهذا الاسم أن تتَّسِع رحمتك لِكل عِباد الله من كل الأجناس، والمؤمن أوسع مدى من ذلك فحتى الحيوانات يرحمها؛ إنكم لن تسَعوا الناس بِأموالكم فسعَوْهم بِأخلاقكم لذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام لما سمِع الأعرابي يقول: اللهم ارحمني ومحمّدا قال له لقد حجَّرْت واسِعاً.
الإمام الغزالي يقول: " تأدُّباً مع اسم الواسع ينبغي أن تتَّسِع دائرة عِلمك لأن الله عالم ويحب كل عالم وأن تتَّسِع دائرة إحسانِك ودائرة عَفْوِك لتشمل كل الناس "، فهناك قلب صغير وهناك قلب كبير يتَّسِع لكل الناس ولكل التجاوُزات والعَنْعَنات والحماقات، بينما هناك من ينفجِر قلبه ويضيق ويكيل الصاع صاعين، والعوام يقولون: "الوعاء الأكبر يتَّسِع للأصغر" فأنت كلما كبرت عند الله اِتَّسعت نفسك لكل الخلائق، والكبير يسَعُ الصغير، والحليم يسع الأحمق، والعالم يسع الجاهل، والغني يسع الفقير، فهذا هو التطبيق العملي لهذا الاسم وهو أن تتَّسِع في علمك ورحمتك وإحسانك وعَفْوِك.
الإنسان الواسع يتّسع للحسود مثلاً ولغيره، ولكل من أساء إليه. والله قال لنا "ولكن كونوا ربانيين" أو متعلقين بأخلاق ربكم وصفاته وكل من وسع الناس بأخلاقه فهو رباني. وكل من وسّع دائرة عذره للآخرين فهو رباني، وكل من أختلف مع غيره فوجد ما يجمعه معه فهو رباني واسع نوالله ضرب لنا مثلا بنفسه اذ رزق أقواما خالفوا أمره بل أنكروا وجوده، وهذ من سعة أخلاق الله. بل سمح لابليس بالبقاء والحوار معه فسبحان من وسعت صفاته خلقه. فاللهم أجعلنا ربانيين وارثين لأخلاقك التي كسوت بها النبيين حتى نكون وارثين.