مَن يضمد لنا جراح السيف والقلم؟!كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما
بعد؛
فإلى القائمة
التاريخية الطويلة من آلام المسلمين وجراحهم تأتي جراح جديدة حسية ومعنوية؛
لتذكر بالجراح القديمة من الحروب الصليبية وحروب التتار وسقوط الأندلس،
وضحايا المسلمين في البلاد الإسلامية التي احتلها الروس والشيوعيون، وسقوط
الخلافة، واحتلال فلسطين وأفغانستان والعراق، وفي كل جرح منها ملايين من
المسلمين بين قتيل وجريح وأسير، وآلام كثيرة نتألم حين تذكُّرِها، وكأننا
نريد الهروب من الذكرى -وإن كان نافعًا لنا أن نتذكر- لنعرف من أين وصلنا
إلى واقعنا الأليم؛ لنأخذ من ذلك العبر والعظات.
تأتي حادثة مقتل الأخت الطبيبة المسلمة "مروة" في
ألمانيا على يد صليبي حاقد، وجرح زوجها على أيدي قوات الشرطة الألمانية
التي تحمي "الحريات"!! نعم حريات القتل والاعتداء على المسلمين، وانتهاك
حقوقهم وحرماتهم- تأتي لتكشف حقيقة مشاعر الغرب تجاه الإسلام، وكيف ربى
نظامهم التعليمي والإعلامي والثقافي والاجتماعي أبناء مجتمعاتهم على عداوة
حاقدة للإسلام والمسلمين؟!
فثماني عشرة طعنة في جسد "مروة" كم تأخذ
من الوقت حتى تتم الجريمة أمام أعين الناظرين والساكتين، أو قُل المعجبين
والموافقين؟!
ثم
إذا تحرك الزوج للدفاع الشرعي -بكل المقاييس- عن زوجته تتلقاه رصاصات
الإرهاب الحقيقي من رجال الشرطة!!
والعجب أن أناسًا منتسبين للإسلام بادروا بمجرد وقوع الجريمة
إلى نفي الخلفية الدينية للحادث، والقول بأنه حادث فردي في دفاع عن جريمة
مجتمع، بل ثقافة وحضارة بأسرها، وهم أنفسهم لا يحسنون مثل هذا الدفاع؛ فقد
بات من غير الممكن نفي الخلفية الدينية، أو على الأصح التعصب الصليبي
الحاقد على الإسلام وأهله لدى مجتمعات بأسرها، وكأن هؤلاء المدافعين لا
يحتملون أن يحقق المسلمون في هذه المجتمعات أيَّ مكاسب لتغيير أوضاعهم،
ونيل بعض حقوقهم في المحافظة على دينهم وهويتهم دون القبول بالنظرة الدونية
التي يعامَلون بها تحت المصطلحات التي يروج لها من ينتسب إلى الإسلام أكثر
من الكافرين، مثل "الإرهاب" و"التطرف" ونحوها، والتي هي في حقيقتها ألصق
بهذه المجتمعات والأنظمة العالمية التي تكره الإسلام والمسلمين أشد
الكراهية.
ثم تأتي أحداث "تركستان الشرقية"؛ التي نسيها المسلمون رازحةً تحت الاحتلال الصيني الذي قتل في
احتلال هذه البلاد خمسة ملايين مسلم في نفس توقيت احتلال فلسطين تقريبًا
1949م؛ لإخضاع هذه الشعوب المسلمة بأهوال يشيب لها الولدان؛ للهيمنة
الصينية الشيوعية، أتت هذه الأحداث لتعيد لنا ذكرى الشعوب المسلمة التي
تقاسي الأهوال لمحاولة الحفاظ على الدين والهوية الإسلامية، وهي لم تفقد
بعد ولاءها لدينها وأمتها رغم نسيان الأمة لها، فلا يتحدث أحد عن قضيتهم،
ولا يطالب بمقاطعة للبضائع الصينية -مثلاً- حتى يتوقفوا عن قتلهم، رغم أن
أعداد المسلمين الذين قـُتِلوا في هذا الإقليم عبر تاريخ صراعه مع الصين
أضعاف مَن قتلهم اليهود في فلسطين، ولا يفكر أحد في وسيلة لدعمهم ولو
معنوية، حتى لو بكلمة!!
لم
يسمع من دولة إسلامية واحدة -عدا تركيا- حتى الإدانة والشجب لهذه الأحداث
التي تمثِّل بالفعل إبادة جماعية للمسلمين، وما هذا إلا لموت الإحساس
بالجسد الواحد وفقدان الانتماء والولاء للأمة، وكم تسمع من عوام المسلمين
قَبْلَ مسئوليهم: "وما شأننا نحن؟! هذه صراعات عِرقية!!" كما روَّج لها
الإعلام الغربي، وكل هذا بسبب التربية المدمِّرة على تعظيمِ الشهوات، ونمطِ
الحياة الذي يظن صاحبه -رغم ما به من شقاء- أن تفاهاته في اللهث وراء
الكرة والمغنيين والأفلام والمسلسلات -"التركية أيضًا"- هي الطريقة المثلى؛
التي يريد أن يذهب بها المتطرفون!!
ويأتي جرح آخر معنوي: يتمثل في منح جائزة الدولة التقديرية -في بلد الأزهر!-
لكاتب مرتد يطعن في الإسلام وفي الرسول -صلى
الله عليه وسلم- صراحة لا تلميحًا؛ حيث
يقول "سيد القمني" في كتابه "الحزب الهاشمي": "إن دين محمد هو مشروع طائفي
اخترعه عبد المطلب الذي أسس الجناح الديني للحزب الهاشمي"!!
ويقول أيضًا: "إن محمدًا قد وفر لنفسه الأمان المالي بزواجه من الأرملة
خديجة بعد أن خدع والدها، وغيَّبه عن الوعي بأن سقاه الخمر"!!
وهذا الجرح ينكأ جراحًا معنوية أُخَر مماثلة على
نفس الطريق، كان منها تلقيب من يقول أن الشعر الجاهلي أفصح من القرآن
بـ"عميد الأدب العربي"!!
ومنح جائزةَ "نوبل" في الأدب لمن يقول بـ"نظرية موت
الإله في عصر العلم" -أي عدم الحاجة إلى الاعتقاد في وجوده- ويسخر من
الأنبياء واحدًا تلو الآخر، ويطعن فيهم!
وغير ذلك من الأمثلة التي يحاول فيها العلمانيون تجرئة الناس
على الطعن في الإسلام والقرآن والنبي -صلى
الله عليه وسلم-، وعلى الردة الصريحة، وذلك في حماية مناصبهم الرسمية
ومنزلتهم لدى ذوي النفوذ.
في
حين تسكت المؤسسات الرسمية الدينية تمامًا عن هذا الكفر يتكلم بعض الأفاضل
من شيوخ الأزهر كمفتي مصر السابق الشيخ "نصر فريد واصل" -حفظه الله-،
و"جبهة علماء الأزهر" -جزاهم الله خيرًا-، فهل القضية لا تعني أيضًا شيوخ
المؤسسات الرسمية كما لا تعنيهم قضية الحجاب في فرنسا وغيرها حتى يقول
قائلهم: "وأنا مالي؟! هو أنا رئيس فرنسا؟! بلده هو حر فيها يعمل فيها
اللِّي هو عايزه"!!!
كل
هذه الجراح تحتاج منا إلى وقفة؛ لننظر كيف نسير: (أَوَلا
يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ
ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) (التوبة:126):
1- إن هذه الفتن المتكاثرة هي
للتمحيص: (لِيَمِيزَ
اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى
بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ
الْخَاسِرُونَ) (الأنفال:37)؛ فكم من مشاركٍ وموافقٍ وراضٍ عن مثل هذه الضلالات؛ ليلحقه
الله بأصحابها: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ
وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام:55).
2- إن الكفر والنفاق قد اجتمعا
على حرب الإسلام علانية لا سرًّا؛
فلابد أن ينظر كل واحد إلى أي الفريقين ينتمي: إلى أهل الإسلام أم إلى أهل
الكفر والنفاق؟! فالأمر لا يحتمل مداهنة، أو مراعاة لمصالح وهمية، أو
تمييعًا للمواقف واستمرارًا للتبعية لأعداء الإسلام وموالاتهم.
3- إن هذه الجراح هي ثمرة
مُرَّة لبُعد أجيال وقرون من أبناء الأمة عن دينهم وشريعتهم، ولن تُداوَى هذه الجراح إلا بعودة صادقة، وتوبة نصوح من عامة أبناء الأمة إلى الله -تعالى- حتى يغير الله ما بنا.
4- إن تربية أجيال المسلمين على
الفهم الدقيق لقضايا الإسلام وحقائق الإيمان -التي من أهمها وأعظمها الولاء والبراء، والتي يدركها الأعداء
أكثر مما يدركها للأسف كثير من المنتسبين للإسلام، بل إلى الدعوة والعلم
والمشيخة- من أعظم ما تُداوَى به هذه الجراح النازفة؛ لأن هذه التربية هي
ميزان القوة الحقيقي على مَرِّ العصور، وإن سنة المدافعة بين الناس ليست
بالتي تُحسَب فيها الأمور بالقوة المادية وحدها، أو بالمساحات التي يتحرك
فيها المشاركون في الصراع في سنوات معدودة؛ بل إن القوة الكبرى لأصحاب
القيم والمناهج هو ثباتهم على عقيدتهم ومواقفهم مهما كان ضعفهم المادي، أو
قلة المساحة التي يتحركون فيها، أو ضَعف الأنصار الذين ينصرون قضيتهم.
5- ثم لابد من الاهتمام الأكيد
بالصلة بالله -تعالى-: من خلال
العبادات، والذكر، وتلاوة القرآن، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج،
والعمرة، والنفقة في سبيل الله، وكثرة الدعاء، وكثرة السجود؛ فإنها من أعظم
أسباب مداواة الجرح، بل هي سبب النصر الأول: (هَلْ
تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ؟!) (رواه البخاري).
6- إن كثرة هذه الفتن والمصائب
هي علامة حياة للأمة؛ فلو كانت قد
ماتت كما مات غيرها من الأمم، ورضيت بمبادئ أعدائها، وخضعت لهم مختارة
راضية؛ لما واجهت ما تواجهه اليوم من محاولات مستميتة لصرفها عن دينها.
7- إن الباطل مضمحلٌّ بذاته،
زاهقٌ بأصل خلقته طالما جاء الحق:
(وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ
الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (الإسراء:81)؛ فلنحذر من اليأس والقنوط، ولنصبر على طريقنا ومنهجنا،
ولنثبت على ديننا متوكلين على الله مقلِّب القلوب والأبصار، (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ
وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) (الأعراف:89).
فاللهم
منزل الكتاب، ومجري السحاب، هازم الأحزاب، سريع الحساب، اهزم الكافرين
والمنافقين، وزلزلهم، وانصرنا عليهم، وآخر دعوان أن الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما
بعد؛
فإلى القائمة
التاريخية الطويلة من آلام المسلمين وجراحهم تأتي جراح جديدة حسية ومعنوية؛
لتذكر بالجراح القديمة من الحروب الصليبية وحروب التتار وسقوط الأندلس،
وضحايا المسلمين في البلاد الإسلامية التي احتلها الروس والشيوعيون، وسقوط
الخلافة، واحتلال فلسطين وأفغانستان والعراق، وفي كل جرح منها ملايين من
المسلمين بين قتيل وجريح وأسير، وآلام كثيرة نتألم حين تذكُّرِها، وكأننا
نريد الهروب من الذكرى -وإن كان نافعًا لنا أن نتذكر- لنعرف من أين وصلنا
إلى واقعنا الأليم؛ لنأخذ من ذلك العبر والعظات.
تأتي حادثة مقتل الأخت الطبيبة المسلمة "مروة" في
ألمانيا على يد صليبي حاقد، وجرح زوجها على أيدي قوات الشرطة الألمانية
التي تحمي "الحريات"!! نعم حريات القتل والاعتداء على المسلمين، وانتهاك
حقوقهم وحرماتهم- تأتي لتكشف حقيقة مشاعر الغرب تجاه الإسلام، وكيف ربى
نظامهم التعليمي والإعلامي والثقافي والاجتماعي أبناء مجتمعاتهم على عداوة
حاقدة للإسلام والمسلمين؟!
فثماني عشرة طعنة في جسد "مروة" كم تأخذ
من الوقت حتى تتم الجريمة أمام أعين الناظرين والساكتين، أو قُل المعجبين
والموافقين؟!
ثم
إذا تحرك الزوج للدفاع الشرعي -بكل المقاييس- عن زوجته تتلقاه رصاصات
الإرهاب الحقيقي من رجال الشرطة!!
والعجب أن أناسًا منتسبين للإسلام بادروا بمجرد وقوع الجريمة
إلى نفي الخلفية الدينية للحادث، والقول بأنه حادث فردي في دفاع عن جريمة
مجتمع، بل ثقافة وحضارة بأسرها، وهم أنفسهم لا يحسنون مثل هذا الدفاع؛ فقد
بات من غير الممكن نفي الخلفية الدينية، أو على الأصح التعصب الصليبي
الحاقد على الإسلام وأهله لدى مجتمعات بأسرها، وكأن هؤلاء المدافعين لا
يحتملون أن يحقق المسلمون في هذه المجتمعات أيَّ مكاسب لتغيير أوضاعهم،
ونيل بعض حقوقهم في المحافظة على دينهم وهويتهم دون القبول بالنظرة الدونية
التي يعامَلون بها تحت المصطلحات التي يروج لها من ينتسب إلى الإسلام أكثر
من الكافرين، مثل "الإرهاب" و"التطرف" ونحوها، والتي هي في حقيقتها ألصق
بهذه المجتمعات والأنظمة العالمية التي تكره الإسلام والمسلمين أشد
الكراهية.
ثم تأتي أحداث "تركستان الشرقية"؛ التي نسيها المسلمون رازحةً تحت الاحتلال الصيني الذي قتل في
احتلال هذه البلاد خمسة ملايين مسلم في نفس توقيت احتلال فلسطين تقريبًا
1949م؛ لإخضاع هذه الشعوب المسلمة بأهوال يشيب لها الولدان؛ للهيمنة
الصينية الشيوعية، أتت هذه الأحداث لتعيد لنا ذكرى الشعوب المسلمة التي
تقاسي الأهوال لمحاولة الحفاظ على الدين والهوية الإسلامية، وهي لم تفقد
بعد ولاءها لدينها وأمتها رغم نسيان الأمة لها، فلا يتحدث أحد عن قضيتهم،
ولا يطالب بمقاطعة للبضائع الصينية -مثلاً- حتى يتوقفوا عن قتلهم، رغم أن
أعداد المسلمين الذين قـُتِلوا في هذا الإقليم عبر تاريخ صراعه مع الصين
أضعاف مَن قتلهم اليهود في فلسطين، ولا يفكر أحد في وسيلة لدعمهم ولو
معنوية، حتى لو بكلمة!!
لم
يسمع من دولة إسلامية واحدة -عدا تركيا- حتى الإدانة والشجب لهذه الأحداث
التي تمثِّل بالفعل إبادة جماعية للمسلمين، وما هذا إلا لموت الإحساس
بالجسد الواحد وفقدان الانتماء والولاء للأمة، وكم تسمع من عوام المسلمين
قَبْلَ مسئوليهم: "وما شأننا نحن؟! هذه صراعات عِرقية!!" كما روَّج لها
الإعلام الغربي، وكل هذا بسبب التربية المدمِّرة على تعظيمِ الشهوات، ونمطِ
الحياة الذي يظن صاحبه -رغم ما به من شقاء- أن تفاهاته في اللهث وراء
الكرة والمغنيين والأفلام والمسلسلات -"التركية أيضًا"- هي الطريقة المثلى؛
التي يريد أن يذهب بها المتطرفون!!
ويأتي جرح آخر معنوي: يتمثل في منح جائزة الدولة التقديرية -في بلد الأزهر!-
لكاتب مرتد يطعن في الإسلام وفي الرسول -صلى
الله عليه وسلم- صراحة لا تلميحًا؛ حيث
يقول "سيد القمني" في كتابه "الحزب الهاشمي": "إن دين محمد هو مشروع طائفي
اخترعه عبد المطلب الذي أسس الجناح الديني للحزب الهاشمي"!!
ويقول أيضًا: "إن محمدًا قد وفر لنفسه الأمان المالي بزواجه من الأرملة
خديجة بعد أن خدع والدها، وغيَّبه عن الوعي بأن سقاه الخمر"!!
وهذا الجرح ينكأ جراحًا معنوية أُخَر مماثلة على
نفس الطريق، كان منها تلقيب من يقول أن الشعر الجاهلي أفصح من القرآن
بـ"عميد الأدب العربي"!!
ومنح جائزةَ "نوبل" في الأدب لمن يقول بـ"نظرية موت
الإله في عصر العلم" -أي عدم الحاجة إلى الاعتقاد في وجوده- ويسخر من
الأنبياء واحدًا تلو الآخر، ويطعن فيهم!
وغير ذلك من الأمثلة التي يحاول فيها العلمانيون تجرئة الناس
على الطعن في الإسلام والقرآن والنبي -صلى
الله عليه وسلم-، وعلى الردة الصريحة، وذلك في حماية مناصبهم الرسمية
ومنزلتهم لدى ذوي النفوذ.
في
حين تسكت المؤسسات الرسمية الدينية تمامًا عن هذا الكفر يتكلم بعض الأفاضل
من شيوخ الأزهر كمفتي مصر السابق الشيخ "نصر فريد واصل" -حفظه الله-،
و"جبهة علماء الأزهر" -جزاهم الله خيرًا-، فهل القضية لا تعني أيضًا شيوخ
المؤسسات الرسمية كما لا تعنيهم قضية الحجاب في فرنسا وغيرها حتى يقول
قائلهم: "وأنا مالي؟! هو أنا رئيس فرنسا؟! بلده هو حر فيها يعمل فيها
اللِّي هو عايزه"!!!
كل
هذه الجراح تحتاج منا إلى وقفة؛ لننظر كيف نسير: (أَوَلا
يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ
ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) (التوبة:126):
1- إن هذه الفتن المتكاثرة هي
للتمحيص: (لِيَمِيزَ
اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى
بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ
الْخَاسِرُونَ) (الأنفال:37)؛ فكم من مشاركٍ وموافقٍ وراضٍ عن مثل هذه الضلالات؛ ليلحقه
الله بأصحابها: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ
وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام:55).
2- إن الكفر والنفاق قد اجتمعا
على حرب الإسلام علانية لا سرًّا؛
فلابد أن ينظر كل واحد إلى أي الفريقين ينتمي: إلى أهل الإسلام أم إلى أهل
الكفر والنفاق؟! فالأمر لا يحتمل مداهنة، أو مراعاة لمصالح وهمية، أو
تمييعًا للمواقف واستمرارًا للتبعية لأعداء الإسلام وموالاتهم.
3- إن هذه الجراح هي ثمرة
مُرَّة لبُعد أجيال وقرون من أبناء الأمة عن دينهم وشريعتهم، ولن تُداوَى هذه الجراح إلا بعودة صادقة، وتوبة نصوح من عامة أبناء الأمة إلى الله -تعالى- حتى يغير الله ما بنا.
4- إن تربية أجيال المسلمين على
الفهم الدقيق لقضايا الإسلام وحقائق الإيمان -التي من أهمها وأعظمها الولاء والبراء، والتي يدركها الأعداء
أكثر مما يدركها للأسف كثير من المنتسبين للإسلام، بل إلى الدعوة والعلم
والمشيخة- من أعظم ما تُداوَى به هذه الجراح النازفة؛ لأن هذه التربية هي
ميزان القوة الحقيقي على مَرِّ العصور، وإن سنة المدافعة بين الناس ليست
بالتي تُحسَب فيها الأمور بالقوة المادية وحدها، أو بالمساحات التي يتحرك
فيها المشاركون في الصراع في سنوات معدودة؛ بل إن القوة الكبرى لأصحاب
القيم والمناهج هو ثباتهم على عقيدتهم ومواقفهم مهما كان ضعفهم المادي، أو
قلة المساحة التي يتحركون فيها، أو ضَعف الأنصار الذين ينصرون قضيتهم.
5- ثم لابد من الاهتمام الأكيد
بالصلة بالله -تعالى-: من خلال
العبادات، والذكر، وتلاوة القرآن، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج،
والعمرة، والنفقة في سبيل الله، وكثرة الدعاء، وكثرة السجود؛ فإنها من أعظم
أسباب مداواة الجرح، بل هي سبب النصر الأول: (هَلْ
تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ؟!) (رواه البخاري).
6- إن كثرة هذه الفتن والمصائب
هي علامة حياة للأمة؛ فلو كانت قد
ماتت كما مات غيرها من الأمم، ورضيت بمبادئ أعدائها، وخضعت لهم مختارة
راضية؛ لما واجهت ما تواجهه اليوم من محاولات مستميتة لصرفها عن دينها.
7- إن الباطل مضمحلٌّ بذاته،
زاهقٌ بأصل خلقته طالما جاء الحق:
(وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ
الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (الإسراء:81)؛ فلنحذر من اليأس والقنوط، ولنصبر على طريقنا ومنهجنا،
ولنثبت على ديننا متوكلين على الله مقلِّب القلوب والأبصار، (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ
وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) (الأعراف:89).
فاللهم
منزل الكتاب، ومجري السحاب، هازم الأحزاب، سريع الحساب، اهزم الكافرين
والمنافقين، وزلزلهم، وانصرنا عليهم، وآخر دعوان أن الحمد لله رب العالمين.