إن نحن إلا في سفينة ..!
يتبادر للذهن لأول وهلة عند تأمله سفينةً تمخر عباب البحر ؛ طبيعة عمل هذه السفينة ووظائف روّادها وطاقمها ، فالسفينة البحرية تحمل على ظهرها " بحارةً " يديرون دفتها ومسيرتها ، ونعلم قطعاً أن أدوارهم على متنها متباينة ومختلفة وذلك من جهة النوع لا من جهة كفاءة الأداء . فهناك القائد وهناك رافع الأشرعة والساقي والطباخ والمنظف إلى آخر تلك القائمة والمهام ، ومن البديهي أن الطاقم لا يمكن أن يتحول برمته إلى مجموعة " ربّان " للسفينة ، ولا أن يكونوا جميعاً سُقاة أو رافعي للأشرعة ؛ بل لكلٍ عمله ودوره الذي يستطيعه مع تقدير الجميع لموقعه وعدم الاستغناء عن دور أي واحدٍ منهم .
هذا التصور يوضح لنا بجلاء مغزى ومقصد الحديث النبوي العظيم عندما صور جزئية من المجتمع الإسلامي وشبهه بقومٍ في سفينة ، فكأنما الحديث جاء ليرسم في مخيلتنا واقعاً شبيهاً بالسفينة في مناحي عدة منها الوجه الذي ذكرناه آنفاً بكونها تحمل على متنها طاقماً متعدد الأدوار والوظائف له أهميته سواء أكان في قاع السفينة أم في أعلاها .
إن هذه السفينة التي نحن عليها اليوم لن تسير من دون تكاملٍ في الأدوار وتكافل في الأهداف والغايات ، بعيداً عن تحقير الهمم والاهتمامات ، فقد يأتي من انشغل بأمورٍ يعدها من عظائم ما ابتليت بها الأمة ويرى أن الأولى بالجهود والطاقات أن تنصرف إليها ؛ فإذا رأى من إنسان آخر مغايرٌ له في الإمكانات والمقدرات والآفاق وله دائرة تحيطه وبقعة اهتمامات لها مقصد نبيل يحقق للأمة نفعاً ؛ فإذا رآه صاحب الرؤية البعيدة العميقة _ في ظنه وحسب رؤيته ومنطلقا ته _ احتقر عمل الآخر وقد يراه إنما يصنع عبثاً ويحفر في ماء .
ولكن هذه يا قومي سفينة ، بها الساقي والعامل والمفكر والمراقب والمجاهد ، ليسوا على قلب رجلٍ واحد ؛ فعلام لا يمد الذين يرون أنفسهم في أعلى السفينة بحمل هموم أمتهم البعيدة المدى أن يمدّوا أيدهم لمن حملوا همّ قضايا جزئية صحيحة ، وذلك بتعضيد دورهم ومساندتهم واعتبارها روافداً لما يرنو إليه ؛ وتكافلاً للعمل وحمايةً للمجتمع من الانجراف والتشتت والتنازعات الداخلية ، إن هذه سفينة ركبها محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه فساروا بها على أكمل وجه ، فهل لنا أن نقتفي خطاهم عليها ؟